- ندوات إذاعية / ٠22برنامج ربيع القلوب - إذاعة القرآن الكريم الدوحة
- /
- ٠2 ربيع القلوب 2 - أحاديث عام 2020
مقدمة :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
المذيع :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حياكم الله مستمعينا الكرام عبر إذاعة القرآن الكريم من الدوحة ، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أهلاً بكم في هذا اللقاء الجديد من برنامج " ربيع القلوب " الموسم الثاني .
بداية مستمعينا الكرام لكم التحية من فريق البرنامج ، من الإعداد محمود الدمنهوري ، الهندسة الإذاعية جابر بريدي ، ومني في التقديم مصابر الشهال .
مستمعينا الكرام نتوقف في هذه الحلقة عند آية من آيات الله ، أو آيات من آيات كتاب الله من سورة الصف في قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) ﴾
إلى آخر الآيات ، في هذه الآيات مستمعينا الكرام يظهر لنا أن أعلى أنواع التجارة هي التجارة مع الله ، تجارة سلعتها الطاعات ، وثمنها الحسنات ، يضاعفن من حسنة إلى عشر إلى سبعمئة وأكثر ، والذين يجيدون هذه التجارة الرابحة هم من عرفوا الله فخشوه ، فرقت له قلوبهم ، ودمعت من خشيته عيونهم ، ولم تنقطع به قط صلتهم ، وكان همهم الأول والأخير رضاه ، قال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (30) ﴾
مستمعينا الكرام ؛ في هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب نعيش مع آيات من سورة الصف تحمل دعوة من الله سبحانه وتعالى للتجارة معه تجارة لا تخسر ، ولا تبور ، وذلك من خلال قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
أرحب بضيف البرنامج الدائم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي حياكم الله فضيلة الدكتور ، وأهلاً وسهلاً بكم في هذا اللقاء من ربيع القلوب .التجارة الرابحة لمن أراد سعادة الدارين جهاد النفس والهوى :
الدكتور محمد راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أخي الكريم جزاك الله خيراً على هذا السؤال .
عندما بيّن الله تعالى أن المشركين يريدون إطفاء نور الله أمر المؤمنين بمجاهدة أعداء الدين ، ودعاهم إلى التضحية بالمال ، والنفس ، والجهاد في سبيل الله ، وبيّن لهم أن التجارة الرابحة لمن أراد سعادة الدارين جهاد النفس والهوى .
والحقيقة الجهاد أربعة أنواع : جهاد النفس والهوى ، هذا أصل الجهاد ، فالمهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة .
ثم الجهاد الآخر الجهاد البنائي ، أن نبني بلدنا ، أن نؤمن فرص عمل لشبابنا ، أن نهيئ زواجاً لفتياتنا ، هذا جهاد بنائي ، جهاد النفس والهوى فردي ، الجهاد الجماعي جهاد بنائي ، أن تستخرج ثرواتنا ، أن توظف مشاريعنا ، أن تلغى البطالة في بلدنا ، أن تلغى العنوسة في بلدنا ، هذا جهاد بنائي .
وعندنا جهاد دعوي ؛ أن نعرف الناس بسر وجودهم ، وغاية وجودهم ، ونهاية حياتهم، ودينهم العظيم ، وصراطهم المستقيم ، والقرآن والسنة والصحابة الكرام والتابعين ، هذا جهاد دعوي ، فإذا نجحنا في جهاد النفس والهوى ، والجهاد البنائي ، والجهاد الدعوي ، يأتي دور الجهاد القتالي هذا رابع مستوى .
التجارة الرابحة هي التجارة مع الله :
لكن هناك حقيقة دقيقة أقولها دائماً : الحرب بين حقين لا تكون ، الحق لا يتعدد ، بين نقطتين لا يمر إلا مستقيم واحد ، فالحرب بين حقين لا تكون ، وبين حق وباطل لا تطول ، لأن الله مع الحق ، وبين باطلين لا تنتهي ، مع العمر ، بين حقين لا تكون أصلاً ، بين حق وباطل لا تطول ، بين باطلين لا تنتهي .
لذلك روي أن بعض الصحابة قالوا : يا رسول الله ! لو وددنا أن نعلم أي التجارات أحب إلى الله لنتجر بها ؟ فنزل قوله تعالى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
الحقيقة هل ؛ استفهام ، هذا اسمه بالبلاغة استفهام تشويق ، بالإعراب ؛ حرف عطف ، بالبلاغة استفهام تشويق ، كأن تقول لإنسان : تريد أن تكون في بحبوحة ؟ تريد أن تكون غنياً ؟ تقول على الفور : نعم ، كلمة تجارة كلمة محببة للناس جميعاً ، فالتجارة مظنة ربح ، مظنة غنى ، مظنة سبب سعادة ، تؤدي إلى الفوز ، فالله تعالى استخدم كلمة محببة إلى معظم الناس لأن التاجر بالدنيا له رأس مال ، وله أرباح ، والربح عشرون بالمئة ، ثلاثون ، خمسون ، هذا ربح خيالي ، وليس في الأرض كلها تجارة تقدم لك ربحاً مليار ضعف إلا الله ،﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَم ﴾
فلذلك البطولة ، والنجاح ، والفلاح ، والذكاء ، والتفوق ، والتوفيق أن تتاجر مع الله أكبر تجارة ، الأرباح بالتجارة بالعالم كله من اثني عشر إلى خمسة عشر بالمئة ، أرباح الصناعة من عشرين إلى خمسة وعشرين ، بكل دول العالم ، أما أرباح الدين فيكون بالملايين ، بالملايين المملينة ، هذا :﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) ﴾
هذه :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) ﴾
هذه التجارة الرابحة أن تتاجر مع الله .المذيع :
شيخنا ؛ هذه التجارة ألا يشترط لها شرط الإخلاص حتى تتحقق ، وتنال هذا الجزاء العظيم الذي هو ، وسنتحدث عن تقديم :
﴿ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
على﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾
لكن دور الإخلاص في هذه التجارة فضيلة الدكتور ؟الإخلاص أساس النجاح :
الدكتور محمد راتب :
الإخلاص أساس النجاح في كل شيء .
﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً (51) ﴾
يوجد مُخلص ومخلَص ، المُخلص ؛ الذي يرجو الله وحده ، لا يرجو سواه ، يرجو عطاءه ، يرجو توفيقه ، يرجو مودته ، يرجو رحمته ، هذا المخلص ، والمخلص سلم من حظوظ الدنيا ، فالإخلاص ينفع معه كل شيء ، قل أو كثر ، وبلا إخلاص لا ينفع معه شيء ، لا قل ولا كثر .المذيع :
نعم ؛ هنا في هذه الآيات فضيلة الدكتور قدم الربح الذي هو :
﴿ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
على ذكر نوع التجارة﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
ما دلالة ذلك ؟العمل الصالح علة وجودنا :
الدكتور محمد راتب :
لأن التجارة مفهوم مألوف ، مفهوم بشري ، أنه يوجد بضاعة اشتريتها ، بعتها بثمن أغلى من شرائها ، الفرق هو الربح ، التجارة محببة للبشر ، فالله عز وجل أدخل علاقتنا مع الله بالتجارة ، هذا من باب التحبب ، أنكم أنتم تحبون التجارة .
بالمناسبة والشيء بالشيء يذكر : إن أطيب الكسب كسب التجار ، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا ، وإذا وعدوا لم يخلفوا ، وإذا ائتمنوا لم يخونوا ، وإذا اشتروا لم يذموا ، وإذا باعوا لم يطروا ، وإذا كان عليهم لم يمطلوا ، وإذا كان لهم لم يعسروا ، لأن أكبر إقليم بالعالم الإسلامي إندونيسيا أكبر إقليم ، مئتان وخمسون مليوناً ، أكبر دولة إسلامية أساس إسلامها تسعة تجار مسلمين .
كنت مرة بالصين ، جامع ببكين بناه مسلم ، اليوم يوجد بالصين ثمانون مليون مسلم ، هذه أكبر تجارة أن تكون مع الله ، دائماً وأبداً لو أخذت الأجر محدوداً في الدنيا ، المحدود ينتهي أما إذا عاملت الله عز وجل فتكون أذكى إنسان ، أعقل إنسان ، أكثر الناس نجاحاً وتوفيقاً أنت حينما تهب الله عملك الصالح ، خدمتك للناس .
قال لي مرة أخ : كنت أقف أمام سيارتي الساعة العاشرة ليلاً - القصة بالثمانينات - شاب يقف إلى جانب زوجته ، ومعهم ابن ، تبكي الزوجة ، قلت لهم : ما القصة ؟ عرفت أن حرارة الطفل أربعون درجة ، وهم لاجئون من لبنان ، لا يعرفون طبيباً ، ولا مستشفى ، ولا شيئاً ، قال لي فأخذتهم إلى المستشفى ، وعالجنا الطفل حتى الساعة الرابعة ليلاً ، قال لي : والله عشت أسبوعاً كأني بجنة .
العمل الصالح يرفع الإنسان ، والحقيقة الدقيقة أن علة وجودنا العمل الصالح ، أكبر دليل :
﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) ﴾
والعمل الصالح هو ما يصلح للعرض على الله إذا كان خالصاً وصواباً ، خالصاً ما ابتغي به وجه الله ، وصواباً ما وافق السنة .المذيع :
الآية فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بدأت باستفهام :
﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ ﴾؟
هل أداة تحبب أو إغراء :
الدكتور محمد راتب :
هذه هل التحببية ، الإغرائية ، رأيت شخصاً وضعه المادي صعب قلت له : هل أدلك على عمل تربح منه ربحاً طائلاً ؟ قال : نعم ، ما هو ؟ أنت تغريه بهذا الطلب ، هل الاستحبابية قال عنها بعض النحاة ، أتحب أن تكون غنياً ؟ أتحب أن تكون مبرأ من كل عيب ؟ صحيح الجسم؟ زواجك ناجحاً ؟ أولادك أبراراً ؟ بناتك محتشمات ؟ لك مكانة اجتماعية ؟ ماذا أفعل ؟ هل أداة تحبب، أو أداة إغراء ، أن تفعل هذا وهذا .
المذيع :
في قوله تعالى :
﴿ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾
هنا شيخنا قدم الربح الذي هو النجاة من عذاب أليم على وصف نوع هذه التجارة التي هي تليها :﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
هنا شيخنا هذا التقديم برأيك ما دلالته ؟الحكمة من تقديم الربح على وصف نوع التجارة :
الدكتور محمد راتب :
تقديم أهمية سيدي ، دائماً العذاب الأليم لا يحتمل ، أما الأشياء الإيجابية فتتفاوت ، أما العذاب فصعب جداً ، فلذلك قدم الشيء الأهم على الأقل أهمية .
المذيع :
ولذلك أيضاً الربح الذي هو الشق الثاني ، الشق الأول النجاة من العذاب ، والشق الثاني :
﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾
أيضاً تأخرت عن الربح الأول .الدكتور محمد راتب :
يغفر سلبي ، هناك ذنوب غفرت ، الآن يوجد عطاءات أعطيت ، شخص موظف مع مدير شركة ، قال له : أنت عندك أشياء سلبية ، تأخر يومي ، أنا هذا أسامحك فيه ، لكن سأطلب منك عملاً أعطيك عليه مكافأة استثنائية فوق راتبك ، فسامحه بشيء سلبي ، وأغراه بشيء إيجابي .
المذيع :
في قوله تعالى :
﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾
هل التجارة مع الله منحصرة على الإيمان والجهاد ؟الأخذ بالقرآن وما صح من السنة الشريفة :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً شيء بديهي جداً ، أولاً
﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾
بخالق الكون ، بالمسير ، بالقاهر ، بالمعطي ، بالمانع ، بالكريم ، بالمحب ،﴿ وَرَسُولِهِ﴾
بالسنة ، الآن يوجد اتجاهات لإلغاء السنة لأنه :﴿ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ﴾
عندنا كتاب من عند الله ، وعندنا سنة ، الحقيقة يوجد كتاب ، وسنة﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
والآن الأصوات علت بإلغاء السنة ، هناك بعض المؤسسات المنحرفة عن منهج الله عز وجل ، لأنه﴿ وَمَا آتَاكُمُ ﴾
واضحة تماماً ، آية قرآنية﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ﴾
القرآن فيه كليات ، السنة فيها تفاصيل ، هل نعرف مقدار الزكاة من القرآن ؟ لا ، أدِّ الزكاة .﴿ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) ﴾
أما مقدار الزكاة ؛ المال ، البضاعة ، الأموال غير المنقولة ، تفاصيل كثيرة جداً السنة بينتها ، لذلك :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) ﴾
دائماً ، الآية الأدق :﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾
لكن نقول نحن : الكريم قطعي الثبوت ، وظني الدلالة ، يحتاج إلى تأويل ، أما السنة فظنية الثبوت والدلالة ، إذاً أقول : أطع الله في كتابه ، وما صح من حديث رسول الله ، ما صح ، هناك أحاديث ضعيفة ، وأحاديث موضوعة ، وأعداء الدين وضعوا آلاف الأحاديث غير المقبولة ، نحن نأخذ ما في القرآن قطعاً لأنه قطعي الثبوت ، أما معنا :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) ﴾
ونأخذ ما صح من السنة .آخر نقطة : نأخذ القرآن والسنة بفهم الرعيل الأول من الصحابة ، تسمعون ، ويسمع منكم ، ويسمع من يسمع منكم ، أربعة قرون صالحة للأخذ بعدها دخلنا في متاهات الإضافة على الدين ما ليس منه .
المذيع :
كنت أسأل فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي عن الآية حيث قرنت بين الإيمان والجهاد ، ما العلاقة بينهما ؟
العلاقة بين الإيمان والجهاد :
الدكتور محمد راتب :
والله يا أخي الكريم ؛ الجهاد كلمة دقيقة جداً ، أنا صنفت الجهاد أربعة أصناف ، جهاد النفس والهوى ، وقلت كثيراً : المهزوم أمام نفسه لا يستطيع أن يواجه نملة ، أي شهواته غلبته ، فالمؤمن قيوم على نفسه ، يوجد شهوات سمح الله بها .
بالمناسبة : الشهوة ممكن أن تكون مئة وثمانين درجة ، الله سمح لك بمئة وعشر ، والباقي حرام ، لذلك ما من شهوة أودعها الله بالإنسان إلا جعل الله لها قناة نظيفة طاهرة تسري خلالها .
للتقريب ؛ البنزين سائل متفجر ، البنزين إذا وضع في المستودع المحكم للسيارة ، وسال في الأنابيب المحكمة ، وانفجر في الوقت المناسب والمكان المناسب في البستونات ، ولّد حركة نافعة تقلك إلى مكان جميل في العطلة ، انفجارات ، الصفيحة نفسها صبها على المركبة ، وأعطها شرارة تحرق المركبة ومن فيها .
فالشهوات قوى دافعة ، أو قوى مدمرة بالضبط ، الشهوات قوى دافعة أو قوى مدمرة .
المذيع :
﴿ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾
المال تقدم .إنفاق المال أهون وأسهل من إنفاق الحياة :
الدكتور محمد راتب :
لأن الإنفاق أهون من النفس ، هنا قدمنا الأهون ، قدمنا الأهون وليس الأهم ، هذا مال بعض الأغنياء يقول لك : هذه مئة ألف ، تعال ادخل المعركة بنفسك ، فالمال إنفاقه أهون وأسهل من إنفاق الحياة ، هنا قدم الأسهل .
المذيع :
ما وجه ختم الآية بقوله تعالى :
﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾؟
طلب العلم فريضة على كل مسلم لأنه يرقى بالإنسان :
الدكتور محمد راتب :
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم ، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك ، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً .
الإنسان كائن ، هذه الطاولة كائن ، لكن هذه خشب ، لها طول ، وعرض ، وارتفاع ، ووزن ، وحجم ، والنبات يزيد عليها بالنمو ، والحيوان بالحركة ، أما الإنسان فيأخذ من الجماد الوزن، والحجم ، والطول ، والعرض ، والارتفاع ، ويأخذ من النبات النمو ، ومن بقية المخلوقات الحركة ، لكن الإنسان كرمه إذ أودع فيه قوة إدراكية ، ينفرد بها وحده ، هذه القوة الإدراكية مصممة لطلب العلم .
لذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم ، هذا العلم يرقى بالإنسان ، هناك علم بخلقه ؛ فيزياء ، كيمياء ، رياضيات ، طب ، هندسة ، فلك ، جيولوجيا ، علم بخلقه ، وعلم بأمره ، الحرام والحلال ، والشبهة ، والواجب ، والمندوب ، أما الأخير فالعلم به ، العلم بخلقه ، حتاج إلى جامعة ، وإلى أستاذ ، وإلى كتاب مقرر ، وإلى دوام ، وإلى أداء امتحان ، وإلى نيل شهادة ، ثم لسانس بالآداب ، أو بكالوريوس بالعلوم ، ثم دبلوم عامة ، دبلوم خاصة ، ماجستير ، دكتوراه ، تضع إلى جانب اسمك د. ، أي أنت درست ثلاثاً وعشرين سنة ، هذه القصة كلها .
أما العلم بالله ، فالعلم به يحتاج إلى مجاهدة ، جاهد تشاهد ، ضبط النفس ، ضبط الدخل ، ضبط الإنفاق ، ضبط الحواس الخمس ، ضبط البيت ، البيت إسلامي ، العمل إسلامي ، الإنفاق إسلامي ، الوظيفة إسلامية ، وليس وظيفة ربوية ببنك ربوي ، لذلك جاهد تشاهد ، فنحن بين هناك علم بخلقه ، وعلم بأمره ، وعلم به .
المذيع :
في الآية التي تليها :
﴿ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ﴾
لماذا هنا خص المساكن بالذكر بهذه الآية الكريمة ؟الله تعالى أصل الجمال والكمال والنوال :
الدكتور محمد راتب :
لأن الجنة واضحة ، لكن يوجد مرتبة أعلى بالجنة هي المساكن ، ثم الفردوس الأعلى ، ثم أعلى من كل ذلك النظر إلى وجه الله الكريم ، ورد في بعض الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى وجه الله يغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة ، كل جمال الكون أصله من الله ، أصل الجمال، والكمال ، والنوال ، لذلك : ابن آدم اطلبنِي تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء .
لكن من السخافة والخطأ الكبير أن تطلب نتائج باهرة بمقدمات سخيفة .
﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69) ﴾
ضبط الشهوات ، وضبط الدخل ، ضبط الإنفاق ، وضبط اللقاءات والسهرات ، وضبط الشاشة ، وضبط العطاء ، وضبط الوقت ، وأداء الصلوات ، وأداء الزكاة ، والصيام ، وغض البصر، المنهج الإسلامي يبدأ من فراش الزوجية ، وينتهي بالعلاقات الدولية .المذيع :
﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾
النصر هنا البعض فسره شيخنا هو فتح مكة ، لكن هل يمكن نحن أن نفهمها أنها جزاء لأي مؤمن يتاجر مع الله بهذه التجارة ؟خصوصية السبب لا تنفي عموم اللفظ :
الدكتور محمد راتب :
سيدي ؛ المناسبة لا تلغي عموم اللفظ ، خصوصية السبب لا تنفي عموم اللفظ ، أوضح مثل سيدي :
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) ﴾
هذه آية جاءت في سياق الطلاق ، من يتق الله في تطليق زوجته يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها ، طلقها طلقة واحدة ، معه ثلاثة قروء ، ثلاثة بثلاثة بثلاثة ، أما ثلاثة مرة واحدة فقد خالف الشرع ، الآن أنت انزع هذه الآية من سياقها ، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلافه ، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم ، يمكن أن تطبق بمليون موضوع هذه الآية ، هذه عظمة القرآن الكريم ، معنى خاص ، ومعنى عام ، معنى سياقي ولحاقي وسباقي ، وعندنا قانون ، لذلك هناك قوانين في القرآن ، هذه القوانين تقابل قوانين الفيزياء والكيمياء .المذيع :
﴿ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
ربما هذه دلالة على المعنى العام أن المؤمنين مطلقاً وليس الصحابة ؟المطلق يبقى مطلقاً إلا إذا قيد بآية ثانية :
الدكتور محمد راتب :
طبعاً ، المطلق على إطلاقه ، هذه قاعدة أصولية ، المطلق على إطلاقه ، إلا إن جاءت آية تخصصها ، المؤمن بالله طبعاً ، عفواً إذا حذفنا الصفة انصرف الإيمان بالله ، هناك شخص مؤمن بالإلحاد ، مقتنع بالإلحاد ، لكن إذا قلنا : مؤمن إذا أطلقت انصرفت إلى المؤمن بالله.
المذيع :
هنا التبشير عائد على النصر والفتح أم على كل الجزاء الذي هو النجاة من العذاب والمغفرة ؟
الدكتور محمد راتب :
المطلق على إطلاقه ، المطلق يبقى مطلقاً إلا إذا قيد بآية ثانية .
المذيع :
﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ﴾
أخر جزاء الدنيا إلى الآخرة ؟اضطراب قناعة بعض الناس عند الفتن الكبيرة :
الدكتور محمد راتب :
دقيقة ، الله ذكر بعد النصر قال :
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) ﴾
معنى ذلك إذا تأخر النصر بعض الناس الضعاف يشكون في هذا الدين ، لذلك الفتنة الكبيرة الإنسان تضطرب قناعاته ، تضطرب مبادئه إذا الأزمة طالت كثيراً .المذيع :
الجزاء هنا ، وأختم بها فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي النصر والفتح في الدنيا تأخر عن الجزاء الأخروي الذي هو المغفرة ، دخول الجنة ، النجاة من العذاب .
من حقق هدفه بدينه أصبحت الدنيا بالنسبة له شيئاً ثانوياً :
الدكتور محمد راتب :
أي إذا إنسان حقق هدفه بدينه ، فالدنيا صارت شيئاً ثانوياً ، أنت مخلوق للعبادة ، مخلوق للجنة ، فإذا نجحت في تحقيق هذا الهدف الدنيا ثانوية جداً أمام هذا الهدف .
عفواً ؛ إذا جاء سؤال بالجامعة سنة التخرج ، والمادة أساسية ، وآخر مادة ، وأنت أجبت إجابة ممتازة ، ودخلت للمطعم أخذت شطيرة سيئة جداً ليس لها قيمة ، مادام نجحت نجاحاً باهراً وأخذت اللسانس ، وتعينت في وظيفة عالية ، فإذا كان المطعم أعطاك شطيرة ليست جيدة لا تزعجك كثيراً .
المذيع :
من هول الفرحة ، ولذلك وصفت بأنها :
﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا ﴾
هي أقل من ...الدكتور محمد راتب :
النصر مريح سيدي .
المذيع :
لكن تحبونها .
الدكتور محمد راتب :
طبعاً ، لولا الشهوات ما ارتقينا إلى رب الأرض والسماوات ، الشهوات قوة دافعة كالبنزين في السيارة ، البنزين نفسه ضعه على السيارة يحرقها ، انتهت السيارة ، فإما أنه قوة دافعة أو قوة مدمرة .
خاتمة وتوديع :
المذيع :
أحسن الله إليكم فضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي الداعية الإسلامي على هذا اللقاء وعلى حضوركم معنا في الأستوديو جزاكم الله خيراً .
الدكتور محمد راتب :
أقل واجب .
المذيع :
حفظكم الله ، كانت هذه الحلقة من برنامج ربيع القلوب توقفنا فيها عند قول الله تعالى :
﴿ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
من سورة الصف .